فصل: الْعِلَاجُ بِالْحِنّاءِ جُزْئِيّ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فصل فَوَائِدِ الْحَرِيرِ:

وَأَمّا الْأَمْرُ الطّبّيّ فَهُوَ أَنّ الْحَرِيرَ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الْمُتّخَذَةِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَلِذَلِكَ يُعَدّ فِي الْأَدْوِيَةِ الْحَيَوَانِيّةِ لِأَنّ مَخْرَجَهُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَهُوَ كَثِيرُ الْمَنَافِعِ جَلِيلُ الْمَوْقِعِ وَمِنْ خَاصّيّتِهِ تَقْوِيَةُ الْقَلْبِ وَتَفْرِيحُهُ وَالنّفْعُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ أَمْرَاضِهِ وَمِنْ غَلَبَةِ الْمِرّةِ السّوْدَاءِ وَالْأَدْوَاءِ الْحَادِثَةِ عَنْهَا؛ وَهُوَ مُقَوّ لِلْبَصَرِ إذَا اكْتَحَلَ بِهِ وَالْخَامُ مِنْهُ- وَهُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي صِنَاعَةِ الطّبّ- حَارّ يَابِسٌ فِي الدّرَجَةِ الْأُولَى. وَقِيلَ حَارّ رَطْبٌ فِيهَا: وَقِيلَ مُعْتَدِلٌ. وَإِذَا اُتّخِذَ مِنْهُ مَلْبُوسٌ كَانَ مُعْتَدِلَ الْحَرَارَةِ فِي مِزَاجِهِ مُسَخّنًا لِلْبَدَنِ وَرُبّمَا بَرُدَ الْبَدَنُ بِتَسْمِينِهِ إيّاهُ. قَالَ الرّازِيّ: الْإِبْرَيْسَمُ أَسْخَنُ مِنْ الْكَتّانِ وَأَبْرَدُ مِنْ الْقُطْنِ يُرَبّي اللّحْمَ وَكُلّ لِبَاسٍ خَشِنٍ فَإِنّهُ يُهْزِلُ وَيُصْلِبُ الْبَشَرَةَ وَبِالْعَكْسِ.

.أَقْسَامُ الْمَلَابِسِ مِنْ حَيْثُ تَسْخِينِ الْبَدَنِ:

قُلْت: وَالْمَلَابِسُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ يُسَخّنُ الْبَدَنَ وَيُدَفّئُهُ وَقِسْمٌ يُدَفّئُهُ وَلَا يُسَخّنُهُ وَقِسْمٌ لَا يُسَخّنُهُ وَلَا يُدَفّئُهُ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَا يُسَخّنُهُ وَلَا يُدَفّئُهُ إذْ مَا يُسَخّنُهُ فَهُوَ أَوْلَى بِتَدْفِئَتِهِ فَمَلَابِسُ الْأَوْبَارِ وَالْأَصْوَافِ تُسَخّنُ وَتُدَفّئُ وَمَلَابِسُ الْكَتّانِ وَالْحَرِيرِ وَالْقُطْنِ تُدَفّئُ وَلَا تُسَخّنُ فَثِيَابُ الْكَتّانِ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ وَثِيَابُ الصّوفِ حَارَةٌ يَابِسَةٌ وَثِيَابُ الْقُطْنِ مُعْتَدِلَةُ الْحَرَارَةِ وَثِيَابُ الْحَرِيرِ أَلْيَنُ مِنْ الْقُطْنِ وَأَقَلّ حَرَارَةً مِنْهُ. قَالَ صَاحِبُ الْمِنْهَاجِ: وَلُبْسُهُ لَا يُسَخّنُ كَالْقُطْنِ بَلْ هُوَ مُعْتَدِلٌ وَكُلّ لِبَاسٍ أَمْلَسَ صَقِيلٍ فَإِنّهُ أَقَلّ إسْخَانًا لِلْبَدَنِ وَأَقَلّ عَوْنًا فِي تَحَلّلٍ مَا يَتَحَلّلُ مِنْهُ وَأَحْرَى أَنْ يُلْبَسَ فِي الصّيْفِ وَفِي الْبِلَادِ الْحَارّةِ. وَلَمّا كَانَتْ ثِيَابُ الْحَرِيرِ كَذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْيُبْسِ وَالْخُشُونَةِ صَارَتْ نَافِعَةً مِنْ الْحِكّةِ إذْ الْحِكّةُ لَا تَكُونُ إلّا عَنْ حَرَارَةٍ وَيُبْسٍ وَخُشُونَةٍ فَلِذَلِكَ رَخّصَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلزّبَيْرِ وَعَبْدِ الرّحْمَنِ فِي لِبَاسِ الْحَرِيرِ لِمُدَاوَاةِ الْحِكّةِ وَثِيَابُ الْحَرِيرِ أَبْعَدُ عَنْ تَوَلّدِ الْقَمْلِ فِيهَا إذْ كَانَ مِزَاجُهَا مُخَالِفًا لِمِزَاجِ مَا يَتَوَلّدُ مِنْهُ الْقَمْلُ.

.عِلّةُ تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ:

وَأَمّا الْقِسْمُ الّذِي لَا يُدَفّئُ وَلَا يُسَخّنُ فَالْمُتّخَذُ مِنْ الْحَدِيدِ وَالرّصَاصِ وَالْخَشَبِ وَالتّرَابِ وَنَحْوِهَا فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا كَانَ لِبَاسُ الْحَرِيرِ أَعْدَلَ اللّبَاسِ وَأَوْفَقَهُ لِلْبُدْنِ فَلِمَاذَا حَرّمَتْهُ الشّرِيعَةُ الْكَامِلَةُ الْفَاضِلَةُ الّتِي أَبَاحَتْ الطّيّبَاتِ وَحَرّمَتْ الْخَبَائِثَ؟ قِيلَ هَذَا السّؤَالُ يُجِيبُ عَنْهُ كُلّ طَائِفَةٍ مِنْ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ بِجَوَابٍ فَمُنْكِرُو الْحُكْمِ وَالتّعْلِيلِ لِمَا رُفِعَتْ قَاعِدَةُ التّعْلِيلِ مِنْ أَصْلِهَا لَمْ يَحْتَاجُوا إلَى جَوَابٍ عَنْ هَذَا السّؤَالِ. وَمُثْبِتُو التّعْلِيلِ وَالْحُكْمِ- وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ- مِنْهُمْ مَنْ يُجِيبُ عَنْ هَذَا بِأَنّ الشّرِيعَةَ حَرّمَتْهُ لِتَصْبِرَ النّفُوسُ عَنْهُ وَتَتْرُكهُ لِلّهِ فَتُثَابُ عَلَى ذَلِكَ لَا سِيّمَا وَلَهَا عِوَضٌ عَنْهُ بِغَيْرِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُجِيبُ عَنْهُ بِأَنّهُ خُلِقَ فِي الْأَصْلِ لِلنّسَاءِ كَالْحِلْيَةِ بِالذّهَبِ فَحَرُمَ عَلَى الرّجَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَفْسَدَةِ تَشَبّهِ الرّجَالِ بِالنّسَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ حَرُمَ لِمَا يُورِثُهُ مِنْ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَالْعُجْبِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ حَرُمَ لِمَا يُورِثُهُ بِمُلَامَسَتِهِ لِلْبَدَنِ مِنْ الْأُنُوثَةِ وَالتّخَنّثِ وَضِدّ الشّهَامَةِ وَالرّجُولَةِ فَإِنّ لُبْسَهُ يُكْسِبُ الْقَلْبَ صِفَةً مِنْ صِفَاتِ الْإِنَاثِ وَلِهَذَا لَا تَكَادُ تَجِدُ مَنْ يَلْبَسُهُ فِي الْأَكْثَرِ إلّا وَعَلَى شَمَائِلِهِ مِنْ التّخَنّثِ وَالتّأَنّثِ وَالرّخَاوَةِ مَا لَا يَخْفَى حَتّى لَوْ كَانَ مِنْ أَشْهَمِ النّاسِ وَأَكْثَرِهِمْ فَحَوْلِيّةً وَرُجُولِيّةً فَلَا بُدّ أَنْ يُنْقِصَهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يُذْهِبْهَا وَمَنْ غَلُظَتْ طِبَاعُهُ وَكَثُفَتْ عَنْ فَهْمِ هَذَا فَلْيُسَلّمْ لِلشّارِعِ الْحَكِيمِ وَلِهَذَا كَانَ أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ أَنّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْوَلِيّ أَنْ يُلْبِسَهُ الصّبِيّ لِمَا يَنْشَأُ عَلَيْهِ مِنْ صِفَاتِ أَهْلِ التّأْنِيثِ. وَقَدْ رَوَى النّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ إنّ اللّهَ أَحَلّ لِإِنَاثِ أُمّتِي الْحَرِيرَ وَالذّهَبَ وَحَرّمَهُ عَلَى ذُكُورِهَا وَفِي لَفْظٍ حَرُمَ لِبَاسُ الْحَرِيرِ وَالذّهَبِ عَلَى ذُكُورِ أُمّتِي وَأُحِلّ لِإِنَاثِهِمْ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدّيبَاجِ وَأَنْ يُجْلَسَ عَلَيْهِ وَقَالَ هُوَ لَهُمْ فِي الدّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ.

.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي عِلَاجِ ذَاتِ الْجَنْبِ:

رَوَى التّرْمِذِيّ فِي جَامِعِهِ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ تَدَاوَوْا مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ بِالْقُسْطِ الْبَحْرِيّ وَالزّيْتِ وَذَاتُ الْجَنْبِ عِنْدَ الْأَطِبّاءِ نَوْعَانِ حَقِيقِيّ وَغَيْرُ حَقِيقِيّ. فَالْحَقِيقِيّ وَرَمٌ حَارّ يَعْرِضُ فِي نَوَاحِي الْجَنْبِ فِي الْغِشَاءِ الْمُسْتَبْطِنِ لِلْأَضْلَاعِ. وَغَيْرُ الْحَقِيقِيّ أَلَمٌ يُشْبِهُهُ يَعْرِضُ فِي نَوَاحِي الْجَنْبِ عَنْ رِيَاحٍ غَلِيظَةٍ مُؤْذِيَةٍ تَحْتَقِنُ بَيْنَ الصّفَاقَاتِ قَالَ صَاحِبُ الْقَانُونِ: قَدْ يَعْرِضُ فِي الْجَنْبِ وَالصّفَاقَاتِ وَالْعَضَلِ الّتِي فِي الصّدْرِ وَالْأَضْلَاعِ وَنَوَاحِيهَا أَوْرَامٌ مُؤْذِيَةٌ جِدّا مُوجِعَةٌ تُسَمّى شَوْصَةً وَبِرْسَامًا وَذَاتَ الْجَنْبِ. وَقَدْ تَكُونُ أَيْضًا أَوْجَاعًا فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَيْسَتْ مِنْ وَرَمٍ وَلَكِنْ مِنْ رِيَاحٍ غَلِيظَةٍ فَيُظَنّ أَنّهَا مِنْ هَذِهِ الْعِلّةِ وَلَا تَكُونُ مِنْهَا. قَالَ وَاعْلَمْ أَنّ كُلّ وَجَعٍ فِي الْجَنْبِ قَدْ يُسَمّى ذَاتَ الْجَنْبِ اشْتِقَاقًا مِنْ مَكَانِ الْأَلَمِ لِأَنّ مَعْنَى ذَاتِ الْجَنْبِ صَاحِبَةُ الْجَنْبِ وَالْغَرَضُ بِهِ هَاهُنَا وَجَعُ الْجَنْبِ فَإِذَا عَرَضَ فِي الْجَنْبِ أَلَمٌ عَنْ أَيّ سَبَبٍ كَانَ نُسِبَ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ كَلَامُ بُقْرَاطَ فِي قَوْلِهِ إنّ أَصْحَابَ ذَاتِ الْجَنْبِ يَنْتَفِعُونَ بِالْحَمَامِ. قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ كُلّ مَنْ بِهِ وَجَعُ جَنْبٍ أَوْ وَجَعُ رِئَةٍ مِنْ سُوءِ مِزَاجٍ أَوْ مِنْ أَخْلَاطٍ غَلِيظَةٍ أَوْ لَذّاعَةٍ مِنْ غَيْرِ وَرَمٍ وَلَا حُمّى. قَالَ بَعْضُ الْأَطِبّاءِ وَأَمّا مَعْنَى ذَاتِ الْجَنْبِ فِي لُغَةِ الْيُونَانِ فَهُوَ وَرَمُ الْجَنْبِ الْحَارّ وَكَذَلِكَ وَرَمُ كُلّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ وَإِنّمَا سُمّيَ ذَاتَ الْجَنْبِ وَرَمَ ذَلِكَ الْعُضْوِ إذَا كَانَ وَرَمًا حَارّا فَقَطْ. وَيَلْزَمُ ذَاتَ الْجَنْبِ الْحَقِيقِيّ خَمْسَةُ أَعْرَاضٍ وَهِيَ الْحُمّى وَالسّعَالُ وَالْوَجَعُ النّاخِسُ وَضِيقُ النّفَسِ وَالنّبْضُ الْمِنْشَارِيّ. وَالْعِلَاجُ الْمَوْجُودُ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ هُوَ لِهَذَا الْقِسْمِ لَكِنْ لِلْقِسْمِ الثّانِي الْكَائِنِ عَنْ الرّيحِ الْغَلِيظَةِ فَإِنّ الْقُسْطَ الْبَحْرِيّ- وَهُوَ الْعُودُ الْهِنْدِيّ عَلَى مَا جَاءَ مُفَسّرًا فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ- صِنْفٌ مِنْ الْقُسْطِ إذَا دُقّ دَقّا نَاعِمًا وَخُلِطَ بِالزّيْتِ الْمُسَخّنِ وَدُلِكَ بِهِ مَكَانُ الرّيحِ الْمَذْكُورُ أَوْ لُعِقَ كَانَ دَوَاءً مُوَافِقًا لِذَلِكَ نَافِعًا لِمَادّتِهِ مُذْهِبًا لَهَا مُقَوّيًا لِلْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ مُفَتّحًا لِلسّدَدِ وَالْعُودُ الْمَذْكُورُ فِي مَنَافِعِهِ كَذَلِكَ. قَالَ الْمُسَبّحِيّ الْعُودُ حَارّ يَابِسٌ قَابِضٌ يَحْبِسُ الْبَطْنَ وَيُقَوّي الْأَعْضَاءَ الْبَاطِنَةَ وَيَطْرُدُ الرّيحَ وَيَفْتَحُ السّدَدَ نَافِعٌ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ وَيُذْهِبُ فَضْلَ الرّطُوبَةِ وَالْعُودُ الْمَذْكُورُ جَيّدٌ لِلدّمَاغِ. قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَنْفَعَ الْقُسْطُ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ الْحَقِيقِيّةِ أَيْضًا إذَا كَانَ حُدُوثُهَا عَنْ مَادّةٍ بَلْغَمِيّةٍ لَا سِيّمَا فِي وَقْتِ انْحِطَاطِ الْعِلّةِ وَاللّهُ أَعْلَمُ. وَذَاتُ الْجَنْبِ مِنْ الْأَمْرَاضِ الْخَطِرَةِ وَفِي الْحَدِيثِ الصّحِيحِ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ أَنّهَا قَالَتْ بَدَأَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَرَضِهِ فِي بَيْتِ مَيْمُونَة وَكَانَ كُلّمَا خَفّ عَلَيْهِ خَرَجَ وَصَلّى بِالنّاسِ وَكَانَ كُلّمَا وَجَدَ ثِقَلًا قَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلّ بِالنّاسِ وَاشْتَدّ شَكْوَاهُ حَتّى غُمِرَ عَلَيْهِ مِنْ شِدّةِ الْوَجَعِ فَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ نِسَاؤُهُ وَعَمّهُ الْعَبّاسُ وَأُمّ الْفَضْلِ بِنْتُ الْحَارِثِ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ فَتَشَاوَرُوا فِي لَدّهِ فَلَدّوهُ وَهُوَ مَغْمُورٌ فَلَمّا أَفَاقَ قَالَ مَنْ فَعَلَ بِي هَذَا هَذَا مِنْ عَمَلِ نِسَاءٍ جِئْنَ مِنْ هَاهُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَكَانَتْ أُمّ سَلَمَةَ وَأَسْمَاءُ لَدّتَاهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ خَشِينَا أَنْ يَكُونَ بِكَ ذَاتُ الْجَنْبِ. قَالَ فَبِمَ لَدَدْتُمُونِي؟ قَالُوا: بِالْعُودِ الْهِنْدِيّ وَشَيْءٍ مِنْ وَرْسٍ وَقَطَرَاتٍ مِنْ زَيْتٍ. فَقَالَ مَا كَانَ اللّهُ لِيَقْذِفَنِي بِذَلِكَ الدّاءِ ثُمّ قَالَ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَنْ لَا يَبْقَى فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إلّا لُدّ إلّا عَمّي الْعَبّاسُ وَفِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ لَدَدْنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَشَارَ أَنْ لَا تَلُدّونِي فَقُلْنَا: كَرَاهِيَةَ الْمَرِيضِ لِلدّوَاءِ فَلَمّا أَفَاقَ قَالَ أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدّونِي لَا يَبْقَى مِنْكُمْ أَحَدٌ إلّا لُدّ غَيْرَ عَمّي الْعَبّاسِ فَإِنّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ الْأَصْمَعِيّ: اللّدُودُ مَا يُسْقَى الْإِنْسَانُ فِي أَحَدِ شِقّيْ الْفَمِ أُخِذَ مِنْ لَدِيدَيْ الْوَادِي وَهُمَا جَانِبَاهُ. وَأَمّا الْوَجُورُ فَهُوَ فِي وَسَطِ الْفَمِ. قُلْت: وَاللّدُودُ- بِالْفَتْحِ- هُوَ الدّوَاءُ الّذِي يُلَدّ بِهِ. وَالسّعُوطُ مَا أُدْخِلَ مِنْ أَنْفِهِ.

.مُعَاقَبَةُ الْجَانِي بِمِثْلِ مَا فَعَلَ:

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْفِقْهِ مُعَاقَبَةُ الْجَانِي بِمِثْلِ مَا فَعَلَ سَوَاءٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ مُحَرّمًا لِحَقّ اللّهِ وَهَذَا هُوَ الصّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ لِبِضْعَةَ عَشَرَ دَلِيلًا قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَهُوَ مَنْصُوصُ أَحْمَدَ وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرّاشِدِينَ وَتَرْجَمَةُ الْمَسْأَلَةِ بِالْقِصَاصِ فِي اللّطْمَةِ وَالضّرْبَةِ وَفِيهَا عِدّةُ أَحَادِيثَ لَا مُعَارِضَ لَهَا أَلْبَتّةَ فَيَتَعَيّنُ الْقَوْلُ بِهَا.

.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي عِلَاجِ الصّدَاعِ وَالشّقِيقَةِ:

رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدِيثًا فِي صِحّتِهِ نَظَرٌ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ إذَا صُدِعَ غَلّفَ رَأْسَهُ بِالْحِنّاءِ وَيَقُولُ إنّهُ نَافِعٌ بِإِذْنِ اللّهِ مِنْ الصّدَاعِ وَالصّدَاعُ أَلَمٌ فِي بَعْضِ أَجْزَاءِ الرّأْسِ أَوْ كُلّهِ فَمَا كَانَ مِنْهُ فِي أَحَدِ شِقّيْ الرّأْسِ لَازِمًا يُسَمّى شَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ شَامِلًا لِجَمِيعِهِ لَازِمًا يُسَمّى بَيْضَةً وَخُودَةً تَشْبِيهًا بِبَيْضَةِ السّلَاحِ الّتِي تَشْتَمِلُ عَلَى الرّأْسِ كُلّهِ وَرُبّمَا كَانَ فِي مُؤَخّرِ الرّأْسِ أَوْ فِي مُقَدّمِهِ.

.حَقِيقَةُ الصّدَاعِ:

وَأَنْوَاعُهُ كَثِيرَةٌ وَأَسْبَابُهُ مُخْتَلِفَةٌ. وَحَقِيقَةُ الصّدَاعِ سُخُونَةُ الرّأْسِ وَاحْتِمَاؤُهُ لِمَا دَارَ فِيهِ مِنْ الْبُخَارِ يَطْلُبُ النّفُوذَ مِنْ الرّأْسِ فَلَا يَجِدُ مَنْفَذًا فَيَصْدَعُهُ كَمَا يَصْدَعُ الْوَعْيُ إذَا حَمِيَ مَا فِيهِ وَطَلَبَ النّفُوذَ فَكُلّ شَيْءٍ رَطْبٍ إذَا حَمِيَ طَلَبَ مَكَانًا أَوْسَعَ مِنْ مَكَانِهِ الّذِي كَانَ فِيهِ فَإِذَا عَرَضَ هَذَا الْبُخَارُ فِي الرّأْسِ كُلّهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ التّفَشّي وَالتّحَلّلُ وَجَالَ فِي الرّأْسِ سُمّيَ السّدْرُ.

.أَسْبَابُ الصّدَاعِ:

وَالصّدَاعُ يَكُونُ عَنْ أَسْبَابٍ عَدِيدَةٍ أَحَدُهَا: مِنْ غَلَبَةِ وَاحِدٍ مِنْ الطّبَائِعِ الْأَرْبَعَةِ.
وَالْخَامِسُ يَكُونُ مِنْ قُرُوحٍ تَكُونُ فِي الْمَعِدَةِ فَيَأْلَمُ الرّأْسُ لِذَلِكَ الْوَرَمِ لِاتّصَالِ الْعَصَبِ الْمُنْحَدِرِ مِنْ الرّأْسِ بِالْمَعِدَةِ.
وَالسّادِسُ مِنْ رِيحٍ غَلِيظَةٍ تَكُونُ فِي الْمَعِدَةِ فَتَصْعَدُ إلَى الرّأْسِ فَتَصْدَعُهُ.
وَالسّابِعُ يَكُونُ مِنْ وَرَمٍ فِي عُرُوقِ الْمَعِدَةِ فَيَأْلَمُ الرّأْسُ بِأَلَمِ الْمَعِدَةِ لِلِاتّصَالِ الّذِي بَيْنَهُمَا.
وَالثّامِنُ صُدَاعٌ يَحْصُلُ عَنْ امْتِلَاءِ الْمَعِدَةِ مِنْ الطّعَامِ ثُمّ يَنْحَدِرُ وَيَبْقَى بَعْضُهُ نِيئًا فَيُصَدّعُ الرّأْسَ وَيُثْقِلُهُ.
وَالتّاسِعُ يَعْرِضُ بَعْدَ الْجِمَاعِ لِتَخَلْخُلِ الْجِسْمِ فَيَصِلُ إلَيْهِ مِنْ حَرّ الْهَوَاءِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِهِ.
وَالْعَاشِرُ صُدَاعٌ يَحْصُلُ بَعْدَ الْقَيْءِ وَالِاسْتِفْرَاغِ إمّا لِغَلَبَةِ الْيُبْسِ وَإِمّا لِتَصَاعُدِ الْأَبْخِرَةِ مِنْ الْمَعِدَةِ إلَيْهِ.
وَالْحَادِي عَشَرَ صُدَاعٌ يَعْرِضُ عَنْ شِدّةِ الْحَرّ وَسُخُونَةِ الْهَوَاءِ.
وَالثّانِي عَشَرَ مَا يَعْرِضُ عَنْ شِدّةِ الْبَرْدِ وَتَكَاثُفِ الْأَبْخِرَةِ فِي الرّأْسِ وَعَدَمِ تَحَلّلِهَا.
وَالثّالِثَ عَشَرَ مَا يَحْدُثُ مِنْ السّهَرِ وَعَدَمِ النّوْمِ.
وَالرّابِعُ عَشَرَ مَا يَحْدُثُ مِنْ ضَغْطِ الرّأْسِ وَحَمْلِ الشّيْءِ الثّقِيلِ عَلَيْهِ.
وَالْخَامِسَ عَشَرَ مَا يَحْدُثُ مِنْ كَثْرَةِ الْكَلَامِ فَتَضْعُفُ قُوّةُ الدّمَاغِ لِأَجْلِهِ.
وَالسّادِسَ عَشَرَ مَا يَحْدُثُ مِنْ كَثْرَةِ الْحَرَكَةِ وَالرّيَاضَةِ الْمُفْرِطَةِ.
وَالسّابِعَ عَشَرَ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْأَعْرَاضِ النّفْسَانِيّةِ كَالْهُمُومِ وَالْغُمُومِ وَالْأَحْزَانِ وَالْوَسَاوِسِ وَالْأَفْكَارِ الرّدِيئَةِ.
وَالثّامِنَ عَشَرَ مَا يَحْدُثُ مِنْ شِدّةِ الْجُوعِ فَإِنّ الْأَبْخِرَةَ لَا تَجِدُ مَا تَعْمَلُ فِيهِ فَتَكْثُرُ وَتَتَصَاعَدُ إلَى الدّمَاغِ فَتُؤْلِمُهُ.
وَالتّاسِعَ عَشَرَ مَا يَحْدُثُ عَنْ وَرَمٍ فِي صِفَاقِ الدّمَاغِ وَيَجِدُ صَاحِبُهُ كَأَنّهُ يُضْرَبُ بِالْمَطَارِقِ عَلَى رَأْسِهِ.
وَالْعِشْرُونَ مَا يَحْدُثُ بِسَبَبِ الْحُمّى لِاشْتِعَالِ حَرَارَتِهَا فِيهِ فَيَتَأَلّمُ وَاللّهُ أَعْلَمُ.

.فصل سَبَبُ صُدَاعِ الشّقِيقَةِ، تَعْصِيبُ الرّأْسِ يُسْكِنُ الْوَجَعَ:

وَسَبَبُ صُدَاعِ الشّقِيقَةِ مَادّةٌ فِي شَرَايِينِ الرّأْسِ وَحْدَهَا حَاصِلَةٌ فِيهَا أَوْ مُرْتَقِيَةٌ إلَيْهَا فَيَقْبَلُهَا الْجَانِبُ الْأَضْعَفُ مِنْ جَانِبَيْهِ وَتِلْكَ الْمَادّةُ إمّا بُخَارِيّةٌ وَإِمّا أَخْلَاطٌ حَارّةٌ أَوْ بَارِدَةٌ وَعَلَامَتُهَا الْخَاصّةُ بِهَا ضَرْبَانِ الشّرَايِينُ وَخَاصّةً فِي الدّمَوِيّ. وَإِذَا ضُبِطَتْ بِالْعَصَائِبِ وَمُنِعَتْ مِنْ الضّرَبَان سَكَنَ الْوَجَعُ. وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ الطّبّ النّبَوِيّ لَهُ أَنّ هَذَا النّوْعَ كَانَ يُصِيبُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَمْكُثُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَلَا يَخْرُجُ. وَفِيهِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ وَفِي الصّحِيحِ أَنّهُ قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَارْأَسَاه وَكَانَ يُعَصّبُ رَأْسَهُ الشّقِيقَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَوْجَاعِ الرّأْسِ.

.فصل عِلَاجُ الصّدَاعِ:

وَعِلَاجُهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَأَسْبَابِهِ فَمِنْهُ مَا عِلَاجُهُ بِالِاسْتِفْرَاغِ وَمِنْهُ مَا عِلَاجُهُ بِتَنَاوُلِ الْغِذَاءِ وَمِنْهُ مَا عِلَاجُهُ بِالسّكُونِ وَالدّعَةِ وَمِنْهُ مَا عِلَاجُهُ بِالضّمَادَاتِ وَمِنْهُ مَا عِلَاجُهُ بِالتّبْرِيدِ وَمِنْهُ مَا عِلَاجُهُ بِالتّسْخِينِ وَمِنْهُ مَا عِلَاجُهُ بِأَنْ يَجْتَنِبَ سَمَاعَ الْأَصْوَاتِ وَالْحَرَكَاتِ.

.الْعِلَاجُ بِالْحِنّاءِ جُزْئِيّ:

إذَا عُرِفَ هَذَا فَعِلَاجُ الصّدَاعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِالْحِنّاءِ هُوَ جُزْئِيّ لَا كُلّيّ وَهُوَ عِلَاجُ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ فَإِنّ الصّدَاعَ إذَا كَانَ مِنْ حَرَارَةٍ مُلْهِبَةٍ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ مَادّةٍ يَجِبُ اسْتِفْرَاغُهَا نَفَعَ فِيهِ الْحِنّاءُ نَفْعًا ظَاهِرًا وَإِذَا دُقّ وَضُمّدَتْ بِهِ الْجَبْهَةُ مَعَ الْخَلّ سَكَنَ الصّدَاعُ وَفِيهِ قُوّةٌ مُوَافِقَةٌ لِلْعَصَبِ إذَا ضُمّدَ بِهِ سَكَنَتْ أَوْجَاعُهُ وَهَذَا لَا يَخْتَصّ بِوَجَعِ الرّأْسِ بَلْ يَعُمّ الْأَعْضَاءَ وَفِيهِ قَبْضٌ تُشَدّ بِهِ الْأَعْضَاءُ وَإِذَا ضُمّدَ بِهِ مَوْضِعُ الْوَرَمِ الْحَارّ وَالْمُلْتَهِبِ سَكّنَهُ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيّ فِي تَارِيخِهِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي السّنَنِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا شَكَا إلَيْهِ أَحَدٌ وَجَعًا فِي رَأْسِهِ إلّا قَالَ لَهُ احْتَجِمْ وَلَا شَكَا إلَيْهِ وَجَعًا فِي رِجْلَيْهِ إلّا قَالَ لَهُ اخْتَضِبْ بِالْحِنّاءِ. وَفِي التّرْمِذِيّ عَنْ سَلْمَى أُمّ رَافِعٍ خَادِمَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ كَانَ لَا يُصِيبُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُرْحَةٌ وَلَا شَوْكَةٌ إلّا وَضَعَ عَلَيْهَا الْحِنّاءَ.

.فصل مَنَافِعُ الْحِنّاءِ وَخَوَاصّهُ:

وَالْحِنّاءُ بَارِدٌ فِي الْأُولَى يَابِسٌ فِي الثّانِيَةِ وَقُوّةُ شَجَرِ الْحِنّاءِ وَأَغْصَانُهَا مُرَكّبَةٌ مِنْ قُوّةٍ مُحَلّلَةٍ اكْتَسَبَتْهَا مِنْ جَوْهَرٍ فِيهَا مَائِيّ حَارّ بِاعْتِدَالٍ وَمِنْ قُوّةٍ قَابِضَةٍ اكْتَسَبَتْهَا مِنْ جَوْهَرٍ فِيهَا أَرْضِيّ بَارِدٍ. وَمِنْ مَنَافِعِهِ إنّهُ مُحَلّلٌ نَافِعٌ مِنْ حَرْقِ النّارِ وَفِيهِ قُوّةٌ مُوَافِقَةٌ لِلْعَصَبِ إذَا ضُمّدَ بِهِ وَيَنْفَعُ إذَا مُضِغَ مِنْ قُرُوحِ الْفَمِ وَالسّلَاقِ الْعَارِضِ فِيهِ وَيُبْرِئُ الْقُلَاعَ الْحَادِثَ فِي أَفْوَاهِ الصّبْيَانِ وَالضّمَادُ بِهِ يَنْفَعُ مِنْ الْأَوْرَامِ الْحَارّةِ الْمُلْهِبَةِ وَيَفْعَلُ فِي الْجِرَاحَاتِ فَهَلْ دَمُ الْأَخَوَيْنِ. وَإِذَا خُلِطَ نَوْرُهُ مَعَ الشّمْعِ الْمُصَفّى وَدُهْنِ الْوَرْدِ يَنْفَعُ مِنْ أَوْجَاعِ الْجَنْبِ. وَمِنْ خَوَاصّهِ أَنّهُ إذَا بَدَأَ الْجُدَرِيّ يَخْرُجُ بِصَبِيّ فَخُضِبَتْ أَسَافِلُ رِجْلَيْهِ بِحِنّاءٍ فَإِنّهُ يُؤْمَنُ عَلَى عَيْنَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْهُ وَهَذَا صَحِيحٌ مُجَرّبٌ لَا شَكّ فِيهِ. وَإِذَا جُعِلَ نَوْرُهُ بَيْنَ طَيّ ثِيَابِ الصّوفِ طَيّبَهَا وَمَنَعَ السّوسَ عَنْهَا وَإِذَا نُقِعَ وَرَقُهُ فِي مَاءٍ يَغْمُرُهُ ثُمّ عُصِرَ وَشُرِبَ مَنْ صَفْوِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا كُلّ يَوْمٍ عِشْرُونَ دِرْهَمًا مَعَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ سُكّرٍ وَيُغَذّى عَلَيْهِ بِلَحْمِ الضّأْنِ الصّغِيرِ فَإِنّهُ يَنْفَعُ مِنْ ابْتِدَاءِ الْجُذَامِ بِخَاصّيّةٍ فِيهِ عَجِيبَةٍ. وَحُكِيَ أَنّ رَجُلًا تَشَقّقَتْ أَظَافِيرُ أَصَابِعِ يَدِهِ وَإِنّهُ بَذَلَ لِمَنْ يُبْرِئُهُ مَالًا فَلَمْ يُجْدِ فَوَصَفَتْ لَهُ امْرَأَةٌ أَنْ يَشْرَبَ عَشَرَةَ أَيّامٍ حِنّاءَ فَلَمْ يُقْدِمْ عَلَيْهِ ثُمّ نَقَعَهُ بِمَاءٍ وَشَرِبَهُ فَبَرَأَ وَرَجَعَتْ أَظَافِيرُهُ إلَى حُسْنِهَا. وَالْحِنّاءُ إذَا أُلْزِمَتْ بِهِ الْأَظْفَارُ مَعْجُونًا حَسّنَهَا وَنَفَعَهَا وَإِذَا عُجِنَ بِالسّمْنِ أَصْفَرَ نَفَعَهَا وَنَفَعَ مِنْ الْجَرَبِ الْمُتَقَرّحِ الْمُزْمِنِ مَنْفَعَةً بَلِيغَةً وَهُوَ يُنْبِتُ الشّعْرَ وَيُقَوّيهِ وَيُحَسّنُهُ وَيُقَوّي الرّأْسَ وَيَنْفَعُ مِنْ النّفّاطَاتِ وَالْبُثُورِ الْعَارِضَةِ فِي السّاقَيْنِ وَالرّجْلَيْنِ وَسَائِرِ الْبَدَنِ.